ثقافة مسرحية "صمت" للمخرج الكويتي سليمان البسام في أيام قرطاج المسرحية: بعيدا عن زيف وخواء وتوحش الخيارات المهيمنة على عالمنا اليوم
اذا كان للصمت معنى في مسرحية "صمت" للمخرج الكويتي سليمان البسام التي تعرض ضمن المسابقة الرسمية لأيام قرطاج المسرحية فهو صمت اللغة المهيمنة على عالمنا اليوم بتظليلها الاعلامي وهرائها اليومي وباكتساحها الفظيع لمختلف فضاءات التعبير. بحركة حاسمة، تزيح حلا عمران، في بداية المسرحية، المصادح التي امتدت اليها يمينا وشمالا لتأخذ منها كلمة، تزيحها لتعلن أنها رافضة كل الرفض لخطابات العلاقات العامة وهاشتاقات مصانع نسب المشاهدة ومنطق global chain value وعوالم roof-top parties وغيرها من امتيازات ما يسمونه بالعالم الحر.
تصمت اذا اللغة الطاغية على راهننا ليحلّ محلها صوت حلا، وهو صوت الكل الثائر، الصوت الذي تتداخل فيه النبرات الثورية، بعضها فلسطيني والآخر ايرلندي و من كورسيكا و من عمان التي عرفت أول ثورة يسارية في العالم العربي: ثورة ظفار التي قامت ضد الامبريالية والجيوش العميلة.
تنضح مسرحية صمت بروح ثورية. ثورة تقودها امرأة تتوسط الركح ويرافقها بالموسيقى كل من العازفين علي حوت وعبد قبيسي. فكأنما صُممت لتتجسد في شكل يجمع بين الموسيقى والمسرح والشعر والمانيفستو، تعبيرة معاصرة لا تعترف بالحدود بين الأجناس الفنية والتعبيرية. ويمثل العمل وفق ما ورد في كلمة المخرج التي تم توزيعها على جمهور قاعة الفن الرابع قبل بداية العرض "حلقة جديدة من حلقات البحث عن التوليفات العربية-العربية لبناء لغة مسرحية معاصرة متجددة".
ومن هذا المنظور، تلعب الموسيقى دورا اساسيا في مسرحية "صمت" سواء كان ذلك بمرافقة النص أو من خلال تخللها كافة أرجاء العمل اذ هي من تحمل روحه ككل. اما الاغاني و النغمات التي تغنت بها حلا عمران -صاحبة الصوت القوي والحربائي- فهي من أعطت للعمل ايقاعه ومعناه ونفسه المتمرد.
يتقاطع خطاب حلا مع تصريحات وشهادات حاضرين على انفجار مرفأ بيروت يوم 4 اوت 2020، اضخم انفجار غير نووي في التاريخ، وكأنّ هذا الانفجار علامة صارخة تدلّ على تهاوي وفشل المنظومة الرأسمالية والسياسية القائمة. فهل من معنى لهذا التقاطع اذا لم يكن الدعوة لتجديد الخطاب والخيارات وأيضا الأولويات؟ في هذا السياق، تبدو المسرحية وكأنها وليدة انفجار/قطيعة ضربت صميم منظومة مجتمعية مبنية على الزيف والخواء و الاستهتار والتوحش والتي لا يمكن أن تؤدي الا الى هلاك.
ومن المعاني التي شرحتها حلا عمران للاستدلال على بعض المفاهيم التي يجب أن تغادر دروج النظام العالمي المتآكل، مفهوم اللجوء الذي عادة ما يكون في اتجاه الغرب ونحو الشمال المتحضر، اذ تقول حلا انه "لو طلبنا اللجوء لاستأجرنا كوخا في واد ما واستلقينا به في الليل ولألفنا الاغاني في النهار". وهي دعوة لإعادة النظر في نهاية الأمر في معنى السعادة التي لا تتطلب الكثير والتي لا تنظر للغرب وكأنه المصدر الأول والأخير للشعور بالراحة.
تتخفى حلا في آخر العمل المسرحي تدريجيا عن الأنظار وكأنها بمثابة الرسول الذي جاء ليقول رسالته ثم يرحل، أو لعلها بالأحرى بمثابة الفنان الذي يلفت الأنظار ويوقظ الوعي ويعيد طرح المفاهيم ويشاغب حتى يشير الى الثوابت ويذكّر بالجوهري عندما تنغلق اللعبة على من تعودوا بقواعدها دون ان يستفيقوا لتفاهتها ومخاطر مواصلة التعلق بها.
شيراز بن مراد